(هل لنا أن تستفيد من تجربة ( لى كوان يو

(هل لنا أن تستفيد من تجربة ( لى كوان يو
تم النشر بواسطة : Medhat morgan
المشاهدات :5378
هل لنا أن تستفيد من تجربة ( لى كوان يو )
مقال بقلم د. أسامة عبد المنعم عبدالسلام
استشارى طب الطيران

خبير التنمية البشرية والتوظيف


" لى كوان يو " لمن لا يعرفة هو صاحب وصانع معجزة دولة سنغافورة الحديثة والذى قاد مسيرتها نحو الإستقلال وترأس حكومتها لأكثر من ثلاثة عقود من عام 1959 إلى 1992 فى خطابه أمام منتدى التنافسية العالمى الذى جرت فاعلياته خلال الفترة من 20 - 22 يانير 2008 فى العاصمة السعودية الرياض قال ( لى كوان يو ) مخاطباً الحضور " أريدكم أن تقيموا صناعات تسمح لمواطنيكم بالإستثمار فيها ، ولا بد أن ترسلوا أبنائكم للدراسة والتدريب فى الدول المتقدمة ثم العودة لتأسيس أعمال صناعية ومصارف جديدة فى بلدكم ، فالمهم أن تتعلموا كيفية إستثمار وإدارة مواردكم البشرية والطبيعية لتحقيق أكبر فائدة ممكنة .

لقد أدركنا الحكمة الصينية التى تقول ( سنه واحده ضرورية لكى تنمو بذرة القمح ، وعشرة ضرورية لكى تنمو الشجرة ، ومائه ضرورية لكى ينمو إنسان ) – لقد عملنا على إنتاج مجتمع آمن ومستقر وركزنا على العلوم والثقافة والفنون ، فتمكنا من تكوين أشخاص قادرين على إختيار مواقعهم و وظائفهم يؤمنون بأن الحياة تستحق العناء من أجلهم ومن أجل أبنائهم "

وأخذ ( لى كوان يو ) لأكثر من ساعة أمام جموع غفيرة من الحضور يقدر عددهم بألف رجل وأمرأة ، كانوا يتطلعون إليه بإعجاب ولهفة شديدين، وهو يروى قصة نهضة سنغافورة من على منصة منتدى التنافسية العالمى .

جدير بالذكر أنه فى ظل قيادة هذا الرجل العظيم تحولت سنغافورة إلى أنشط ميناء بحرى فى العالم ، وثالث أكبر موقع لتكرير البترول ، ومركز عالمى ورئيسى للصناعات التحويلية والخدمات ، ليرتفع بذلك المتوسط السنوى لدخل الفرد الحقيقى فيها من أقل من ( 1000 ) دولار أمريكى إلى قرابة( 30000 ) دولار خلال ثلاثة عقود فقط .

وتمثل رحلة الصعود المذهلة لسنغافورة واحدة من معجزات القرن الواحد العشرين الميلادى الماضى . فمنذ إستقلال سنغافورة فى مطلع الخمسينات من القرن الماضى كانت عائدات القاعدة العسكرية البريطانية تمثل ثلاثة أرباع دخلها القومى مما عزز التشاؤم حول قدرة هذة الدولة الصغيرة على النمو بمفردها والدخول إلى مصاف الدول المعترف بها كما قال ( يو ) أمام المنتدى ، " منذ 25 عاماً أحضر زملائى العالم ( سيدنى بريميير ) للقائى ، كان عالماً متخصصاً فى علم الميكروبات ، وشرح لى أن دوله صغيره كسنغافورة إذا كانت لديها عزيمة وتبنت تطوير هذا العلم فإنها ستصبح ذات شأن لأن هذه العلوم أساسية للتقنية ، فنقلنا خبراء من بريطانيا والسويد واليابان ووسعنا عملنا معهم . ولأننا عملنا على مستوى دولى ، فقد كان الإتصال معهم سهلاً وأصبحت لنا صناعة طبية متطورة للعقاقير ).

ولكن كيف تحققت المعجزة ؟

يتابع ( يو ) قائلاً " نحن نجتذب المهارات من جميع مناطق العالم ونستخدم علماء يتحدثون اللغة الإنجليزية ، حيث أننا من خلال هؤلاء الأخصائيين المهرة وبفضل تعاونهم معنا حققنا أكبر إستفادة ممكنة ، وجدير بالذكر أن نبين أن اللذين يأتون إلينا ويلتحقون بدراسات إنسانية فى بلادنا فإن بعضهم لا يعود لبلاده لإنهم يحصلون على ما يريدون – وهكذا ننمو بسرعة ".

كما نرى لقد إعتمدت سنغافورة فى تحقيق معجزتها على بناء الإنسان والإعتماد على القيم الحضارية والتاريخ والتقاليد ومن ثم الإنطلاق إلى الأخذ بمقومات بناء دولة حديثة لا تعرف حدوداً للتطور ، وكما نرى فقد نجحت التجربة بالفعل .

الآن يبلغ عدد سكان سنغافورة الجزيرة الصغيرة النائية نحو 4,3 مليون نسمة ويصل دخل الفرد إلى (30000) دولار امريكى وهو يمثل أعلى دخل فى العالم .

وتضم سنغافورة أكثر من (700) مؤسسة أجنبية و(60) مصرفاً تجارياً ، إضافة إلى بورصة مزدهرة لتبادل العملات الصعبة بحدود (60) مليار دولار سنوياً، إضافة إلى إيمانهم الكامل بحقيقة إقتصادية واحدة لا يمكن أن يختلف عليها السنغافوريون .

ولكن ماذا فعل السنغافوريون ؟

لقد تبنوا نظاماً حازماً لتحديد النسل ، حيث لم تتجاوز نسبة زيادة السكان 1,9% فى عام 1970 ، و1,2% فى عام 1980 مما جنب البلاد كارثة الإنفجار السكانى الذى كان فى ذلك الوقت المعرقل الأساسى للتنمية ، ولكن ما أن أصبح الإقتصاد السنغافورى فى حاجة إلى مزيد من الأيدى العاملة المؤهلة ، حتى غيرت الدولة سياستها السكانية فى الإتجاة المعاكس بإعتماد برنامج جديد يهدف لتحفيز المواطنيين لزيادة النسل حيث خصصت له ميزانية تقدر بـ (300) مليون دولار أمريكى .

وهذا التغيير فى السياسة السكانية لسنغافورة ناتج عن أن كل مولود جديد فى مرحلة التخلف كان يعنى عبئاً على الإقتصاد ، بينما فى مرحلة النمو والتقدم ومع توفر الخدمات التعليمية والصحية اللازمة للأطفال ، فإن ذلك يجعل منهم ثروة بشرية تدفع بدورها عجلة الإقتصاد إلى الأمام .

بادىء ذى بدء إهتمت الحكومة السنغافورية بتعميم التعليم وتحديثة بإعتماد أفضل المناهج فى العالم ، حيث تتصدر سنغافورة الأوليمبياد الدولى فى إمتحانات المواد العلمية .

أيضا إعتمد السنغافوريون بيروقراطية صغيرة الحجم ذات كفاءه عالية ( قوامها حوالى "50" ألف موظف لا أكثر ) وعلى درجة كبيرة من المهنية والتعليم والثقافة .

حرصوا أيضاً أن يتم التعيين فى الوظائف عبر مناظرات عامة مفتوحة للجميع ، بحيث يحصل موظف القطاع العام على رواتب تنافسيه مثل القطاع الخاص إن لم يكن أعلى (200 ألف دولار راتب سنوى للوزير كمثال ) ، إلى جانب الشفافية وإنخفاض نسبة الفساد الإدارى والمالى إلى حد أن سنغافورة تتصدر المراتب الأولى لمؤشر الشفافية الذى تصدره منظمة الشفافية الدولية .

والآن لنتأمل الإنجاز ودلالته :

حين إستقلت سنغافورة لم يتوقع أحد أن تتحول هذة الجزيرة الصغيرة إلى جزيرة عالمية مزدهرة تضم أنجح شركة طيران فى العالم ، وأفضل مطار جوى ، وأنشط ميناء بحرى ، وأن تحتل المرتبة العالمية الرابعة فى متوسط دخل الفرد الحقيقى .

وتعد سنغافورة الأن من أكثر بلدان العالم نظافة ، فشوارعها أكثر نظافة من شوارع مونت كارلو ، ومبانيها أكثر حداثة من ناطحات نيويورك وهى من أكثر بلدان الأرض أمناً ومن أكثرها إطمئناناً ، وهى نموذج فى المحافظة على البيئة ومثال فى المحافظة على مستوى المعيشة . إنها تتقدم على الآخريين فى كل شىء .

لقد كان من المذهل إقامة مثل هذة الدولة فى فقر آسيا قبل أربعة عقود ، غير أن (لى كوان يو ) الذى جاء من أكسفورد إلى المستعمرة البريطانية السابقة كان يحلم بأن يبنى وطناً للناس وليس له . ولذلك بنى المصانع لا الإذاعات وأمر الناس بالعمل لا بالإصغاء إلى الإذاعة وأغلق السجون ليفتح المدارس وأقام فى آسيا نموذجاً مناقضاً لكتاب (ماو) الشيوعى وثوراتة الثقافية ولم يسمح للمذابح لدى جارتة أندونيسيا بالتسرب إلى بلادة وطبق حكم القانون لكن لم يحول بلادة إلى سجن تطعم فيه الفئران كوجبات دسمة كما لدى جارته بورما . كان ( لى كوان يو ) خليطاً سحرياً من آداب الماضى وآفاق المستقبل ، كان حريصاً على الكرامة البشرية ، فحارب الفقر بالدرجة التى عارض فيها نفوذ أمريكا وجعل لكل مواطناً بيتاً بدل أن يكون لكل ألف مواطن كوخ من الصفيح .

 

 

استلم تنبيهات الوظائف عبر البريد

لا تدع الفرصة تمر من دون علمك، استلم كل الوظائف التي تنشر علي الموقع اسبوعيا.
بالضغط علي اشترك فانت قرات و وافقت علي شروط الإستخدام وسياسة الخصوصية.