التدرب المهنى ومحاولة القضاء على البطالة

التدرب المهنى ومحاولة القضاء على البطالة
تم النشر بواسطة : Medhat morgan
المشاهدات :3858
التدرب المهنى ومحاولة القضاء على البطالة

مخطئ من يتصور أن قضية البطالة هي قضية مطلقة لأن الواقع يقول إنها قضية جدلية إذ إن هناك فارقاً كبيراً بين البطالة لمن لديهم مهارات وخبرات تتواءم مع عنصر الطلب في سوق العمل وبطالة أخرى تتفشى بالضرورة لدى أولئك الذين لم يحصلوا على مهارات معينة ولم يكتسبوا خبرات مطلوبة لذلك فإن من يتأمل مسألة البطالة لا بد أن يفرق بين بطالة أصحاب المهارات والقدرات وبطالة من لم يتأهلوا لسوق العمل الحالي وافتقدوا تماماً متطلباته ولم يستعدوا لما هو مطلوب منهم ، وإذا طبقنا ذلك على الواقع المصري وربما العربي والإفريقي بل والنامي عموماً فإننا نسوق بعض الملاحظات ذات الصلة بهذا الموضوع ونوجزها في
 ما يلي:
 
أولا: لا يمكن أن نتحدث عن البطالة بين الشباب العربي الذي مازال يحمل مؤهلات الستينات من القرن الماضي ويفتقد المهارات الحديثة بدءاً من إجادة لغة أجنبية وصولاً إلى إمكانية التعامل مع التقنية الحديثة واستخدامات الكمبيوتر” وفروع تكنولوجيا المعلومات حيث لا يمكن أن يلتقي عرض عقود مضت مع طلب العمل في القرن الحادي والعشرين، لأن الفجوة كبيرة ولا يمكن لمنحنيات السواء” أن تصنع نقطة التقاء بين العرض القديم والطلب الجديد، فما أكثر قوافل البطالة المكدسة لعشرات الألوف من العاطلين الذين يفتقدون القدرة على متطلبات الحياة الوظيفية الحديثة في مجاليها العام والخاص.
من هنا فإننا نقول بصراحة إن كل شاب وفتاة في مقتبل العمر لا يستطيع أن يمضي في الحياة العملية وهو غير مسلح بالأدوات المطلوبة لعصر مختلف وغير مؤهل بالخبرة اللازمة لدخول ميدان جديد.
ثانياً: إن سوق العمل العربي يبدو أمامنا مختلفا تماماً عما كان عليه منذ أربعة عقود حيث تزايدت أهمية إجادة اللغات الأجنبية بسبب سياسة الانفتاح الاقتصادي وإعمال آليات السوق وتبني سياسات وإجراءات النظام الحر بما أدى إلى ظهور أنماط جديدة من العمل ونوعيات من الوظائف لم يكن لها وجود من قبل، وهو ما استدعى بالضرورة تغييراً في نوعية المعروض في سوق العمل حتى أصبحت الحاجة ماسة لوجود خبرات جديدة وملكات معينة لم تكن محل اهتمام من قبل كما أن عالم “الكمبيوتر” قد فتح آفاقاً جديدة لم تكن مطروحة من قبل وأعطى قوة دفع كبرى لعملية التحديث الشاملة في الطلب على التشغيل وفقاً للظروف والأوضاع الجديدة.
ثالثاً: إننا يجب أن نفرق في إطار فلسفة التعليم عموماً بين مدرستين الأولى تسعى لتخريج موظفين يملأون دواوين الدولة ويسدون احتياجاتها وهي التي كنا نطلق عليها سياسة “دانلوب” التعليمية المعروفة في مطلع القرن العشرين ومدرسة أخرى لا تربط بين التعليم والوظيفة الحكومية بل تسعى إلى إكساب الطالب مهارات متعددة وكفاءات مفتوحة تؤهله للمضي في الطريق الملائم لمقتضيات العصر وطبيعة الظروف لذلك فإنني أظن أن السياسة التعليمية يجب ان تكون مرتبطة تماماً بسوق العمل ومتطلباته بدلاً من أن تكون معزولة عن الواقع.
رابعاً: تبدو الآن أهمية التدريب المهني فالشهادة الجامعية لا تكفي وحدها لتأهيل الفتى أو الفتاة لمسرح الحياة المعاصرة حتى أصبح التدريب لا يقل أهمية عن التعليم بل قد يزيد لأنه هو الذي ينقل الدارس إلى أرض الواقع ويؤهله للعمل الذي يقوم به وما أكثر ما سعى إلينا بسطاء الناس يطلبون وظائف لأبنائهم وبناتهم بينما هم يفتقدون تماماً الأسلحة المطلوبة لعصر مختلف فلا لغات أجنبية ولاإمكانات تحليلية ولا خبرات ضرورية في تكنولوجيا المعلومات وهنا يشعر المرء بالأسف الحقيقي للفجوة القائمة بين ما هو متاح وما هو مطلوب ويتجه ببصره إلى السياسات الخاطئة والأساليب العتيقة في التعليم المصري وهو أمر يحتاج إلى مراجعة شاملة حتى نكتشف الواقع ونتعامل معه في وضوح وشفافية.
خامساً: إن الدول العربية لا تحتاج إلى هذا الكم من الشهادات الجامعية العاطلة كما هو الحال الآن كما أنها ليست بحاجة أيضا إلى هذا العدد الموجود من حملة الدكتوراه فذلك في ظني نوع من الترف الذي لا مبرر له ولا حاجة إليه، إذ إن بلدنا بل وكل المنطقة العربية والدول النامية تحتاج في المقام الأول إلى العناصر المدربة والخبرات الواعية في مجالات التنمية المختلفة وليس المهم أبداً الألقاب والمناصب لأن التنمية الشاملة تحتاج إلى جيوش من طوابير البطالة بشرط أن يكون لديها استعداد للتدريب المهني والتأهيل الوظيفي. مع الرغبة في اكتساب القدرات المطلوبة والكفاءات اللازمة.
هذه ملاحظات أردنا منها أن نؤكد أن البطالة قضية يمكن علاجها بفتح مراكز التدريب المهني والتأهيل الوظيفي ولقد استمعت شخصياً إلى شكوى عدد كبير من رجال الأعمال الذين لا يجدون في سوق العمل ما يحتاجون إليه فبينما طوابير البطالة تنتظر بلا جدوى فإن عشرات الألوف من فرص العمل تنتظر هي الأخرى من يتقدم إليها بشرط أن يكون مؤهلاً لها مهيأ للقيام بها وتلك هي الحلقة المفقودة في قضية البطالة حالياً حيث تمثل أخطر مشكلاتنا وأصعب التحديات أمامنا والتي لا يمكن حلها إلا بفتح الأبواب والنوافذ والتركيز على التعليم الفني والتدريب المهني وتجويد الوظيفة، إنني أرفعها صرخة مدوية وأقول في جدية ووضوح إن نظامنا التعليمي هو المسؤول عن مشكلة البطالة بأبعادها المأساوية ووجهها الكئيب وانعكاسها السلبي على الاقتصاد الوطني ومستقبل الدولة ورفاهية الشعب بل وكبرياء الأمة أيضا.
دكتور / أسامة عبد المنعم عبد السلام
خبير التنمية البشرية والتوظيف واستشارى طب الطيران
 

استلم تنبيهات الوظائف عبر البريد

لا تدع الفرصة تمر من دون علمك، استلم كل الوظائف التي تنشر علي الموقع اسبوعيا.
بالضغط علي اشترك فانت قرات و وافقت علي شروط الإستخدام وسياسة الخصوصية.