الطب مهنة في خطر

الطب مهنة في خطر
تم النشر بواسطة : Medhat morgan
المشاهدات :5005
الطب مهنة في خطر
 
لماذا انحدرت مهنة الطب في مصر الي هذا الشكل المزري و لم يعد الطبيب هو الحكيم الذي يلجأ اليه الناس كما كان يسمي من قبل بعد ان فقد مكانته الاجتماعية التي كانت له من قبل واصبح الاعتداء على الاطباء طقسا يوميا يمارس في كل مستشفياتنا ؟. ولماذا تراجعت قضايا الصحة في المجتمع واصبحت الصحة تحتل المرتبة الرابعة او الخامسة في سلم الاولويات في اجندة الحكومة بعد الدفاع والامن والقضاء والغذاء ؟..افهم ان الظروف السياسية التي تمر بها مصر الآن هي التي صنعت سلم اولويات الحكومة بهذا الشكل وكلها اسباب مقهومة قي سياقها وموجودة في معظم يلدان العالم الثالث .. ولكن هناك اسباب اخري داخل المنظومة الصحية ادت الي هذا الوضع وهي التي تهمنا اكثر ونستطيع تغييرها ونريد مناقشتها باستفاضة حتي نتعلم من تجاربنا ونعلم اين نحن الان؟؟ واين نحن ذاهبون؟اذا كنا نريد ان يكون لنا مكان محترم على ارضنا وبين اهلينا .. والباب مفتوح للنقاش .

(1)  انعدام القدوة :

قي الجامعات الكبري مثل كامبردج واكسفورد وييل وهارفارد ما يهمهم فعلا ليس التعليم ولكن ما يشغل بالهم هو غرس المبادئ الاخلاقية والاجتماعية السليمة التي تنشأ من الاحتكاك والتلاحم المثلي بين الاستاذ والطالب , الجميع هناك سواء كانوا طلبة او اساتذةيتماثلون ويتنافسون في مجال رفعة الاخلاق والروح الرياضية والادب والذوق والعدالة ’ اما الطالب المصري فلن يحصل على تلك المزايا الا اذا اسعده الحظ وسافر الي الخارج, لكن من الممكن ان يحدث مثل ذلك اذا نظمت الجامعات المصرية واديرت بأسلوب سليم قويم" من كتاب ساعة عدل واحدة لسيسيل البورت .
اذا كان د البورت يشكو من انعدام وجود الاخلاق بين اساتذة الطب المصريين في الاربعينات وقت ان كان بكالوريوس الطب المصري معترف به في جامعات انجلترا فما بالك باليوم .. لقد رأينا جميعا اساتذة في كليات الطب كيف يعاملون طلبتهم وكيف يتعاملون مع مرضي المستشفي الجامعي وهذا ايام كان الاساتذة يحضرون الي الكلية اما الان فمعظمهم مشغول بعمله الخاص ولا يحضر الي الكلية الا ليقبض مرتبه بل ان احد مستشفيات جامعة عين شمس قال لي احد النواب ان رئيس القسم لم يحضر مرة واحدة من 3 شهور وحين يحتاج منه شئ يسأله في التليفون .. ما الذي يمكن ان يعلمك اياه هؤلاء ؟؟ فالطب مهنة تعتمد في تعليمها على وجود استاذ ومعلم سنيور وجونيور لتتعلم من خلال المثال والقدوة .. وحين نفتقد القدوة فلن يكون هناك تعليم حقيقي ولا مراعاة لتقاليد المهنة التي سمعتا عنها في الكتب ورأيناها في خارج مصر والمحصلة النهائية غياب اخلاقيات المهنة ويكفي نظرة واحدة على اسماء الاساتذة لتجد ان التوريث منهج واساوب حياة في مهنة الطب كيف تفوق هؤلاء ليرثوا مواقع ابائهم واصبحوا يشكلون طبقة جديدة من الصعب اختراقها؟.. واذا بحثت عن الاسماء الكبيرة في عالم الطب فلن تجد لها اثر يذكر في المجتمع الذي تعيش فيه ولا في الحياة العامة .. فليس لديهم الوقت الاللعمل الخاص فكيف تنتظر ان يكون هناك تأثير لمجتمع الاطباء على المجتمع الاكبر وكل العلاقة التي تربطهم هي علاقة مصالح يدفع فيها المريض كل ما يملك من اجل الحصول على علاج لائق او يدفع من كرامته ليحصل على علاج مجاني الان لقد انتهي عصر د ابراهيم ناجي ود يوسف ادريس ود مصطفي محمود ..الذين على الرغم من انهمم لم يتشغلوا بقضايا الصحة في مصر الا انهم كانوا يمثلون رموزا في المجتمع المصري.
 

(2) انعدام الأثر :

ما هو الأثر الذي تخلقه مهنة الطب في المجتمع المصري . لقد تراجع دور الطبيب المصري الذي حمل يوما على كاهله علاج فلاحي مصر ومواطنيها البسطاء في الوحدات المجمعه والوحدات الصحية الريفية والتي انشأت لتكون مراكز اشعاع حضاري في قري مصر ونجوعها يعبش فيها الطبيب بالقرب من مرضاه ويشارك في حياتهم الاجتماعية .. طبيب مجتمع يقدم خدمات الرعاية الاساسية العلاجية والوقائية والترويجية في اكبر شبكة رعاية صحية في العالم .. ضاع هذا الدور عندما توقف برنامج الرعاية الصحية الاولية في مصرمنذ ايام النكسة في الستينات من القرن الماضي وتقلصت الاعتمادات المخصصة للرعاية الاساسية بعدها لصالح الطب العلاجي وتسرب كل الاطباء الاخصائيين الذين تدربوا وحصلوا على تخصصاتهم من الرعاية الاساسية ليذهبوا الي الطب العلاجي والي العمل بالمستشفيات وتم الغاء فترة التدريب لمدة 45 يوم قبل استلام العمل بالوحدات الريفية للتدريب على اعمال الطوارئ والادارة لتأهيل الطبيب لدوره الرائد في الوحدات الريفية ومع ضعف التعليم الجامعي وعدم قدرته على التطور لملائمة احتياجات الوزارة وتوقف برامج التدريب في الوزارة ضعف مستوي الخريج واصبح عاريا في مواجهة احتياجات المرضي المتزايدة بدون مرجعية يستطيع ان يلجأ اليها اذا اعجزته معلوماته الطبية البسيطة التي حصل عليها خلال فترة تعليمة الجامعي وصارت هناك فجوة هائلةة بين اطباء الجامعة الذين يعملون في ظروف افضل وبأمكانيات للتعليم والتشخيص والعلاج تفوق ما هو موجود بوزارة الصحة وفجوة اخري بين اطباء القطاع الريفي واطباء المدينة العاملون في المستشفيات مع ضعف امكانيات العلاج والتشخيص والتعليم المستمرالمتاحه لديه بالاضافة الي عدم زيادة الرواتب لتواكب نسبة التضخم في الاسعار ليضطر طبيب الريف الي ان يحول الوحدات الريفية التي يعمل بها الي عيادات خاصة يقدم فيها خبرانه المتواضعة الي من يملك ثمن الكشف وتقلصت الخدمات التي تقدمها الوحدات الصحية الي خدمات التطعيمات وتنظيم الاسرة واستخراج شهادات الميلاد والوفاة ومع عصر الانفتاح الاقتصادي تآكلت منظومة العلاج المجاني الذي يقدم للفقراء وتراجعت خدمات التأمين الصحي واصبح القطاع الخاص هو الصدر الرئيسي لتقديم الخدمة الصحية لاكثر من 60% من السكان وزادت نسبة تمويل الخدمات الصحية من جيوب المواطنين لتصل الي اكثر من 70% من حجم الانفاق على الخدمات الصحية .. وعندما تريد قياس مدى استجابة النظام الصحي لاحتياجات المواطنين وهو احد المعايير الرئيسية لقياس كفاءة اي نظام صحي ستجد النتيجة واضحة في الارقام التي ذكرتها وتظهر هذه المشكلة بوضوح في خدمات الطوارئ والتعامل مع الحوادث والكوارث والاوبئة ستجد ان النظام الصحي غير مؤهل للتعامل مع هذه الاحداث ولدينا الكثير من الامثلة التي لا نزال نذكرها في حادث قطار الصعيد او حوادث الطرق في المدن السياحية وانفلونزا الطيور.. المثال الوحيد المشرف الذي استطيع ذكره هنا هو دور هيئة الاسعاف المصرية في احداث الثورة والتي لعبت فيها دورا بارزا في دخولها الي قلب احداث العنف ونقل المصابين الي المستشفيات ولعل ما فعلته وزارة د مها الرباط من محاولة اصلاح افسام الطوارئ يمثل نقطة مضيئة وسط هذا التردي المفزع للخدمة الصحية ورؤية استراتيجية تبحث عن Quick wins ليحس بها الناس...ونتيجة لزيادة الوعي الذي صاحب ثورة 25 والانفلات الامني وزيادة التوقعات لدي الجمهور زادت حوادث الاعتداء على العاملين في المستشفيات واصبحت تشكل ظاهرة تقرع الاجراس بقوة لتقول ان ضعف الامكانيات وسلوك الطواقم الطبية العاملة تجاه المرضي ساهم بشكل كبير في تراجع دور مهنة الطب وفقدانها لاحترام الشارع المصري .
 
(3)  انعدام التأثير :

ما هو تأثير الخدمة الصحية ومهنة الطب في الدولة المصرية ؟ .. وما هي القيمة المضافة التي تضيفها المهنة الي الدولة ؟؟ هل لها مردود على الخزانة العامة لتضيف اليها موارد من العملة الصعبة كما يحدث في دول اخرى مثل الاردن على سبيل المثال او تركيا او الهند او روسيا وكلها دول لديها برامج قوية في السياحة العلاجية التي يلجأاليها كل عام اكثر من 10 – 15 مليون مريض سنويا ينفقون ما يزيد عن 130 بليون دولار سنويا .وذلك بالرغم من امتلاكنا لكل المقومات الاساسية لبناء هذه الصناعة في رمال سيناء والواحات وشواطئ شرم الشيخ والغردقة وايضا المناخ المناسب الذي يمكن ان يجذب مرضي العظام والروماتيزم والروماتويد ولدينا وفرة من الاطباء المتخصصين على اعلى مستوى بالاضافة الي الميزة النسبية في موقع مصر وسط العالم العربي وبوابة افريقيا حيث يفد اليها على سبيل المثال اكثر من 200000 مريض من اليمن ومن قطاع غزة للعلاج في مصر ..فهل لدينا علاقات مرضي واقسام علاقات عامة في مستشفياتنا تعمل مع الملحقين الطبيين في هذه الدول لتيسير علاج هؤلاء المرضي في مستشفياتنا المتميزة تتسلمهم من المطار وتيسر عليهم طرق الحصول على الخدمة الطبية بشكل حضاري يليق بسمعة مصر ؟ اننا نترك هؤلاء الي سائقي التاكسيات وبوابي العمارات في المحروسة ليعانوا من اجل الحصول على خدمة طبية محترمة .. ثم تقرأ في الصحف عن سفر وزرائنا وزوجاتهم للعلاج في الخارج من اجل امراض يمكن التعامل معها هنا في مستشفياتنا ,, وتقرأ عن افتتاح مراكزللعلاج بالخارج داخل مصر تستطيع ان توفر لك سبل العلاج في روسيا او تركيا او المانيا .. ويلجأاليها عدد لا بأس به من المصريين من الطبقة الراقية والفنانيين .. وهكذا فشلنا في بناء صناعة السياحة العلاجية ويتم استنزاف اموالنا في العلاج في الخارج الذي زادت قيمته 30% خلال العام الماضي فقط. .. هل لا نستطيع ان نبني بالشراكة مع القطاع الخاص مستشفيات في الواحات وشرم الشيخ تستطيع ان تجنذب جزءا من حصة السياحة العلاجية حول العالم والتي تتزايد كل عام؟ الاجابة اكاد اجزم نعم اما لماذا لم نفعل ذلك فالاسباب كثيرة واهمها عدم قدرة القائمين على شئون المهنة على التخطيط وانعدام الرؤية.
ولندع السياحة العلاجية جانبا الان ونتناول مسألة التأثير في العالم المحيط بنا .. فنحن لدينا مصالح في افريقيا اهمها نهر النيل الذي تبعد منابعه عنا الاف الاميال ولدينا تهديدات بناء سد النهضة ونقص حصة مصر من المياة .. لماذا لم نمد خدماتنا الصحية لهذه الدول التي يعاني سكانها من الخدمة الصحية الغير متوفرة لديهم .. لقد افتتح عبد الناصر مدينة البعوث والحق الاف الطلبة الافارقة في جامعة الازهر مجانا ليكون لنا قوة ناعمة ومؤثرة في افريقيا .. لماذا لم نفكر في في افتتاح مستشفيات ومراكز طبية ومراكز بحوث على نطاق واسع في افريقيا انه استثمار مضمون النتيجة ويعني لنا زيادة التأثير في القارة السمراء التي نملك فيها مصالحنا الرئيسية الممثلة في شريان الحياة الوحيد لدينا .. لقد كانت هناك محاولة سابقة لاتشاء مركز بحوث صحية افريقية في مصر ولدينا الكوادر اللازمة لتشغيله وحصلنا على موافقة منظمة الصحة العالمية للمساهمة في تمويله بل وتم تحديد المكان الذي سيقام فيه المركز في الاسكندرية مكان منظمة الصحة العالمية القديم وتوقف المشروع للاختلاف فيمن سيكون مسئولا عن المركز . وعند انشاء مركز التدريب في العباسية تعاقدت الوزارة مع مؤسسة هوب بهدف جعل المركز عالميا نستقطب فيه المتدربين من كافة انحاء العالم العربي وافريقيا وتقدمت احد كليات الطب في السودان تطلب تدريب طلابها على طب الطوارئ ولم يتم تنفيذ البرنامج نتيجة للبيروقراطية وقصور نظر القائمين على المركز .. وهكذا اهدرنا العديد من الفرص ليكون لمهنة الطب المصرية تأثيرا يتجاوز حدودها بعد ان كانت قبلة لطلاب الطب في كل العالم العربي .
 
 
 
 
دكتور/ أسامة عبد المنعم عبد السلام
استشارى طب الطيران وخبير التنمية البشرية
 
 
 

استلم تنبيهات الوظائف عبر البريد

لا تدع الفرصة تمر من دون علمك، استلم كل الوظائف التي تنشر علي الموقع اسبوعيا.
بالضغط علي اشترك فانت قرات و وافقت علي شروط الإستخدام وسياسة الخصوصية.